السلام عليكم
أشباح الموت الجزء الثامن
كان النزاع الكلامي قويا
تجمعت الطالبات حول المعركة
فمنهن من تظاهرت بالصلاح و راحت تهدئ الطرفين
و منهن من كانت تقوي النار .
لقد أشفقت على مريم لأنني أعلم تماما أخلاقها
و أعلم كيفية تعاملها مع الناس
و طريقة كلامها ،
فتقدمت لأقف إلى جانبها ،
فقد كانت وحيدة بمقابل ثلاثة .
سمعت منال تقول :
- كفاك غباءً ، جميعنا نعلم من أنت ، و من أهلك ..
صمتت جميع الطالبات ،
و تحير الجميع حول سؤال واحد :
" ما بهم أهلها ، و لم قد تعيبهم منال ؟"
حتى أن حيرتي كانت أكبر .
نظرت مريم إلى منال نظرات رجاء شديد ،
و كأنها تطلب منها أن تكتم أمرا ما !
لكن منال أكملت قائلة :
- هل العائلة التي تعيشين معها هي حقا عائلتك ؟
أعني ، هل هم من أنجبك ؟
التزمت مريم الصمت ، و ترقرقت دمعة في عينها .
أدركت أن ثمة خطب ما ، فحاولت تغيير الموضوع المطروح ،
فقلت بمرح :
- كفى يا منال !
و كأنني أمازحها ،
فالتفتت إلي و قالت :
- انظروا من لدينا هنا !
إنها العميلة ،
يا إلهي ، إنني في فصل دراسي فيه يتيمة و عميلة ،
يا للسخرية ! .
شعرت بغصة في حلقي بعد ذلك الوصف ،
لقد وصفتني به أمام جميع الطالبات ،
ياللعجرفة البغيضة !
لم أعلق بشيء ، فالتفتت إلى مريم و قالت :
- أعرفتم من هي اليتيمة ؟
إنها مريم ،
جميعكن ظننتن أنها تعيش مع عائلتها الأصلية ،
و لكن على العكس ، لقد مات والديها منذ كانت في الثانية من عمرها ،
لا أحد يعلم ذلك هنا ، إلا أنا ،
حتى مريم بنفسها لا تعلم ذلك .
فصرخت في وجهها :
- و من قال لك هذه الخزعبلات إذا كانت مريم لا تعلم ذلك ؟
فردت بقوة :
- لأن أمها الوهمية قالت ذلك لأمي ،
و ما كانت لتقول ذلك و هي كاذبة ، و من هي الأم التي قد تتبرأ من ابنتها ؟
لا أحد هنا يتبرأ من أهله إلا أنت ،
أتعلمين لماذا ؟
لأنك عميلة بلا أخلاق ،
و الدليل أنك أخبرت الاحتلال عن أخوك ،
و لا بد أنك خشيت أن يعلم الناس بأمرك ،
فطلبت من الاحتلال أن يرجعوه لمدة قصيرة حتى تختفي الشائعات
حولك ، و تعود المياه إلى مجاريها ،
ثم يعتقلوه مرة أخرى ،
أليس كذلك ، ها ؟
اعترفي .
لحظتها كدت أنفجر من شيئين ،
كنت سأنفجر من الغيظ ،
و في الوقت ذاته كنت سأنفجر من الضحك على هذا الاستنتاج
الغبي .
دخلت المعلمة إلى الصف و انتشرت جميع الطالبات إلى طاولاتهن ،
و اتجهت مريم إلى طاولتها مشية وئيدة ،
ثقيلة ،
مهمومة .
أردت أن أخفف عنها ذلك قليلا فقلت لها :
- سأريها يوما أسود ، هذا وعد مني ...
و بدأ الدرس و أفكاري هائجة في رأسي ،
لقد وعدت مريم أن أنتقم من منال ،
و لكن كيف ذلك ؟
إن منال تستحق عقابا قاسيا على غطرستها المستمرة ،
و أنانيتها اللامتناهية ،
إن كنت سأسامحها عما ارتكبته في حقي ،
فلن أسامحها على ما ارتكبته في حق مريم .
إنني لست القاضي في الصف الدراسي ،
و لكن الحقد طغى على قلبي وقتها .
مرت الحصص الدراسية ببطء شديد ،
و ملل قاتل ،
و طوال اليوم الدراسي تجنبت النظر إلى منال ،
و تجنبت هي النظر إلي .
عندما دق الجرس معلنا نهاية اليوم الدراسي ،
خرجنا إلى الباب ،
و تزاحمت الطالبات عنده ،
و تزاحمت معهن ،
و كانت منال هي من زاحمتني ،
فتعمدت الاصطدام بي أكثر من مرة ،
و هي تضحك مع صديقاتها .
عندما أصبحنا بالساحة ،
جاءت إلي و كادت تضربني بيدها ،
و لكنني ضقت ذرعا من تصرفاتها ،
فأمسكت يدها بقوة كبيرة ،
و كأنني صببت غضبي بيدي ،
و بقيت أمسكها ،
و هي تحاول فكها ،
و بدا الألم واضحا على وجهها ،
فقلت لها بهدوء:
- لا تظني أنني سأفوت ما قلتيه لي ،
أتعلمين ماذا ،
سأريك يوما أسودا ،
تتشقق فيه جدران المدرسة من ضحك الطالبات عليك ،
تذكري ذلك ،
و قد يكون أقرب مما تتصورين ..
ثم تركت يدها ،
و قد سحبَتها بقوة ،
لتتظاهر بالثبات ،
و راحت تلقي الشتائم علي ،
و لكنني مشيت و تركتها تتحدث إلى نفسها ،
فزادها ذلك غضبا ،
و رفعت صوتها أكثر ،
- أيتها العميلة ، أيتها الخائنة .....
رحت أمشي نو المنزل مع أسماء ،
و هي تتحدث إلي ،
لكنني لم أصغي إليها ،
إذ كنت أفكر في طريقة أشفي بها غليلي .